هل يختلف علم الله في القرآن؟
قد نقرأ في القرآن:
"لِيَعْلَمَ اللَّهُ" أو "فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ"
وأحيانًا: "لِيُمَحِّصَ" أو "لِيَبْتَلِيَ"
وأيضًا: "عَلِم" بالماضي و "يعلم" بالمضارع
فما سر هذا التنوع؟ 🤔
عَلِمَ (فعل ماضٍ):
-ورد في القرآن الكريم في الآيات التالية : ... لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ ... ﴿١٨٧ البقرة﴾
-و أيضا ورد في قوله تعالى : وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ ... ﴿٢٣٥ البقرة﴾
-وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٢٣ الأنفال﴾
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ... مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ... ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ ... ﴿20 المزمل﴾
كلمة "عَلِمَ" تدل على أن علمه تعالى بذلك الشيء متحقق أزلاً وأبداً، لكن استعمال الماضي يشير إلى أن الأمر قد وقع وانكشف لعباده أو تحقق على أرض الواقع.
يَعلم (فعل مضارع): يدل على الاستمرار والتجدد. فإذا أُسنِد إلى الله فالمعنى: أن علمه دائم لا ينقطع، يشمل الماضي والحاضر والمستقبل.
إذن "عَلِمَ" لا يعني أن علمه مؤقت أو ناقص، بل يُستعمل في القرآن للدلالة على تحقق أمرٍ وانكشافه، بينما "يَعلم" للتعبير عن شمولية واستمرار العلم.
العلامة الطبرسي (مجمع البيان): الماضي "عَلِمَ" يُستعمل لإفادة أن الشيء قد استقر في علم الله ووقع في قضائه، أما المضارع "يَعلم" فيفيد دوام العلم وحضوره في كل آن.
العلامة الطباطبائي (الميزان): لا فرق في حقيقة علم الله، فالفرق في الاستعمال القرآني فقط؛ الماضي لإفادة تحقق المعلوم في الخارج أو وقوعه، والمضارع لإفادة الاستمرار والدوام.
إذاً بشكل موجز:
"عَلِمَ": يدل على أن علم الله بالأمر قد تقرر وانكشف، وهو أزلي لا يزول.
"يَعلم": يدل على أن علم الله شامل ومستمر لكل ما يتجدد ويحدث.
علم الله واحد، كامل لا بداية له ولا نهاية، لكن القرآن ينوّع الأسلوب بين الماضي والمضارع بحسب السياق.
( ليعلمن الله)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣ العنكبوت﴾
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴿١١ العنكبوت﴾
للإشارة إلى أن العلم قد يكون قديماً أزلياً و قد يتعلق بالحقائق حينما تُصبح أعياناً خارجية و هو المعبر عنه بالعلم الفعلي في مقابل الأزلي الذاتي.
هنا تأكيدية ليوصل الله لهم الفكرة هذه أن الله عالم ببواطن الناس كما هو عالم بظواهرها ففي بعض الديانات كاليهودية يعتقدون أن الله لا يعلم الكثير من الأمور.
معنى (ليعلم الله /
كما تعلمون العلم الإلهي أزلي، لا يطرأ عليه جهل ولا زيادة.
لكن التعبير بـ "ليعلم" في القرآن لا يعني حصول العلم بعد جهل، بل هو علم ظهورٍ وتجلٍّ في الواقع، أي أن ما كان في علم الله الغيبي يَظهر للخلق ويتحقق خارجًا فيشهدونه لأسباب تتعلق بحكمة الله.
لذا يفسّر المفسرون هذا بقولهم: "ليعلم الله" أي: ليُظهر علمه للناس بالفعل، أو "ليُميز المؤمن من المنافق".
وصيغة "ليعلمنّ" أبلغ وأقوى في توكيد ذلك التمييز والامتحان.
٢. معنى (ليمحص فهي تعني ليبتلي / ليكشف)
قد وردت هذه الكلمة مرتين في القرآن:
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴿١٤١ آل عمران﴾
... ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ... ﴿١٥٤ آل عمران﴾
هذه الألفاظ تركز على الحكمة العملية من الامتحان: