كيف يجازي الله من مات صغيراً او دون سن التكليف؟

 


قبل الخوض في الجواب، من المهم تأكيد حقيقة عقدية راسخة، وهي أن الله سبحانه وتعالى هو الحَكَم العَدْل، الذي لا يظلم مثقال ذرة. كل أفعاله مبنية على الحكمة والرحمة والعدل المطلق، حتى وإن خفي بعضها على عقولنا المحدودة. يقول تعالى: "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" (الكهف: 49).

أما الذين  يموتون دون سن التكليف؟

هم فئات عدة:

الأطفال الصغار (الرضع، ومن لم يبلغوا).

المعاقون عقلياً الذين لا يميزون.

من ولدوا وهم في حالة إغماء أو غيبوبة ثم ماتوا.

كيف سيجازيهم الله؟

كيف يدخلون الجنة بلا عمل؟ أليس هذا ظلمًا للبالغين الذين عملوا ليستحقوا الجنة؟

هذا السؤال عميق، والإجابة عليه تتطلب فهم عدة نقاط:

العدل الإلهي لا يعني المساواة في كل شيء

العدل يعني وضع كل شيء في موضعه، والمساواة المطلقة قد تكون ظلمًا في بعض الأحيان.

الطفل لم يُكلف، فلم يُطلب منه عمل، وحُكمه يختلف عن حكم المكلف.

البالغون كُلّفوا لأنهم أهل للاختيار والعقل والمسؤولية، والطفل ليس كذلك.

رحمة الله سبقت غضبه فدخول الطفل الجنة هو محض رحمة من الله، وليس لأنه "استحق" الجنة بأعماله.

بينما البالغ يدخل الجنة بالعمل مع الرحمة، وهذه منزلة أعظم.

البالغون دخلوا في الامتحان، فمن نجح فله أجر مضاعف، ومن عصى فعليه العقاب.


هل يعني هذا أن الطفل أفضل من البالغ؟

كلا، فالبالغ المؤمن الذي يجتاز الامتحان تكون منزلته أعلى من الطفل في الجنة.

ورد في بعض الروايات أن الأطفال في الجنة يكونون في منزلة حسنة، لكن المؤمنين البالغين الذين عملوا صالحًا تكون درجاتهم أعلى.

كيف نرد على السائل الذي يقول: "لماذا يعيش البعض ويتعب والآخر يموت صغيرًا ويدخل الجنة بلا تعب؟"

الحكمة الإلهية خفية ,نحن لا نعلم الحكمة الكاملة من موت طفل أو بقاء آخر، لكننا نؤمن بأن الله حكيم لا يفعل شيئًا عبثًا.

الابتلاء يكون للصغير و الكبير و موت الطفل ابتلاء للأهل، وصبرهم عليه يرفع درجاتهم.ليست الجنة درجة واحدة، فالطفل في الجنة، لكن البالغ الصالح قد يكون في أعلى الدرجات.

الله تعالى يقول:﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ (السجدة: 7)
﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (الأنبياء: 23)

أي أن كل نفسٍ خُلقت ضمن نظام إلهي كامل، لا خطأ فيه ولا ظلم، وكل روح تأخذ ما يُناسبها في هذا الوجود، سواء طالت حياتها أو قصرت.
فليس طول الحياة ولا كثرة التجارب هي المقياس في الكمال، بل تحقق الغاية التي أرادها الله من كل روح.

لكن يُطرح في الذهن سؤال:  لماذا يُعطى الطفل الجنة دون عمل؟

لأن الطفل لم يُمنح فرصة التكليف أصلًا، والله لا يحاسبه على ما لم يُمكنه منه.
لكن الجنة هنا ليست جائزة على العمل، بل هي تجلٍّ للرحمة الإلهية.

بمعنى:

  • من عاش وكابد فاستحق الجنة بعمله = دخلها بالعَدل.

  • ومن مات بلا ذنب ولا تكليف = دخلها بالرَّحمة.

فالله يجمع بين العدل والرحمة، ولا يُسوّي بين من عَمِل ومن لم يُمتحَن، بل يعطي كل واحدٍ بما يليق بعدله وحكمته.

سؤال آخر : هل يُعدّ حرمان الطفل من الحياة ظلمًا؟

الجواب: كلا. لأن الموت المبكر ليس حرمانًا، بل نقلٌ إلى نوعٍ آخر من الوجود، وفيه تتم له مسيرة الكمال بوجهٍ يناسبه.
بعض الأرواح قد بلغت من الطهارة والاستعداد ما يجعلها لا تحتاج إلى اختبارٍ طويل في الدنيا.
فكما لا يكون عمر الطويل ميزة مطلقة، كذلك قِصره لا يعني حرمانًا، لأن الغاية هي الوصول إلى الكمال، لا طول الطريق إليه.


فلعل الله تعالى يُكمل امتحانهم هناك بطريقة تناسبهم، فيُمنحون فرصة إظهار طاعتهم لو شاء الله.
فمن كانت فطرته نقية يطيع، ومن كان في داخله استعدادٌ للمعصية يعصي، فيتجلّى عدل الله بوضوح. و الله تعالى أعلم

بقلم هدى محمدكاظم الخاقاني

تحليل معصية آدم و كيف يجتمع مع العصمة؟

 هل كانت معصيةُ آدم عليه السلام في الجنة هي مجردَ الاقتراب من الشجرة كما قال الله تعالى: «ولا تقربا هذه الشجرة»، أم أن المعصية كانت حين أكَل منها؟

وإذا كان النهي عن الاقتراب، فهل يُعدّ الأكل ذنبًا آخر؟

وهل كانت العقوبة مضاعفةً لأن المخالفة كانت في أكثر من فعل (الاقتراب، التذوّق، الأكل)؟

ثم كيف يُعقل أن آدم عليه السلام، وهو نبيٌّ يعرف عداوة إبليس، استمع إليه ووقع في المعصية؟



كما قال تعالى"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ"(البقرة: 35)

جملة "لا تقربا" في اللغة العربية لا تعني فقط الاقتراب المكاني، بل تعم حتى مقدمات الفعل، أي النهي عن كل ما يؤدي إليه. كما في قوله تعالى:"وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا" و من نظائر ذلك آيات عدة منها "وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" و قوله تعالى : "وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ"
أي لا تفعلوا شيئاً من شأنه أن يقودكم إلى الزنا . فالزنا لا يقع دفعة واحدة بل بما له من مقدمات عادة، كالنظرة و المزاح و الخلوة و باقي المقدمات حتى يصل الأمر الى الزنا.

من البديهي عرفاً أن النهي عن الإقتراب من الشجرة يدل على النهي عن الأكل منها أيضا بالأولوية, ثم إن مما يجب الإلتفات إليه في المقام أن آدم لم يكن يتوقع أن يُقسم أحد بالله كذباً، و قد جاء في قوله تعالى: «وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين» (الأعراف: 21).
فآدم لم يعرف الكذب بعدُ، ولم يخطر بباله أن أحداً يمكن أن يحلف بالله زوراً و كذبا، فخُدع بيمين إبليس حينما ظنه صادقاً بعد أن كان قد نسي ما حذره الله تعالى منه.

فهاتان الصفتان و هما النسيان أن إبليس هو عدوه المبين، وحسن الظن بالقسم بالله  كانتا السببين المباشرين في وقوعه في المعصية، لا التمرد أو الجحود، ولذلك قال تعالى بعد الحادثة: «ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى» (طه: 122).

ومن هنا نفهم أن نزول آدم إلى الأرض لم يكن عقاباً، بل كان تنفيذاً للغرض الإلهي من خلقه، حيث قد خلقه الله تعالى من البداية للخلافة الربانية على الأرض لقوله تعالى: «إني جاعل في الأرض خليفة». فنزوله كان تجهيزاً له ليكون منتبهاً  في موقع التكليف بأن له على الأرض عدواً مبينا ، فالجنة ليست دار تكليف بل الدنيا هي دار التكليف. وجعل الله تلك الحادثة تنبيهاً وتربيةً له قبل القيام بما عليه من عظيم التكليف كخليفة لله تعالى ليأخذ حذره من العدو، وليتهيأ لمقام الخلافة الذي اصطفاه الله لها بعد التوبة.

 أما معنى ضعف العزيمة

في قوله تعالى: «ولم نجد له عزما» لا يعني أنه كان متمرّدًا أو متعمّدًا،
بل أنه ضعُف عن الثبات على العهد حين وسوس له العدو.
فهو ذنب نسيان وضعف بشري لا تمرّد شيطاني.
ولهذا لم يُوبَّخ بعبارات التمرّد كما وُبِّخ إبليس، بل تابَ عليه واجتباه الله بعد ذلك.

بعض النقاط المهمة : 

في قوله «تكونا ملكين» فإنه يشير إلى الخلود.فالخلود الذي طمح إليه آدم هو الخلود في النعيم المكاني، لا الخلود الوجودي للروح. أي الخلود بتمام بُعده الإنساني بما يناسب كل عالم من العوالم و الى أبد الآبدين حركة من الله تعالى و إليه.

النهي عن الاقتراب يشمل النهي عن الأكل لكنه لا يعني تعدد الذنب.

معصية آدم كانت سهوًا أو تركًا للأولى لا تمرّدًا.

وسوسة إبليس استندت إلى يمين كاذبة لم يعرف آدم مثلها بعد.

نزول آدم إلى الأرض مرحلة انتقال في مسار الخلافة الإلهية لا عقوبة.

اجتباء الله له بعد المعصية دليل على كمال القابلية والاستعداد للنبوة.


 رواية في ما يناسب هذا المقام  و شرح النقاط المهمة في نهاية الرواية:

 البحار الجزء ١١


حَضَرْتُ مَجْلِسَ الْمَأْمُونِ وَ عِنْدَهُ الرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى(ع)فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏


وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏

فَقَالَ(ع)إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَالَ لآِدَمَ- اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ وَ أَشَارَ لَهُمَا إِلَى شَجَرَةِ الْحِنْطَةِ-فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ‏

وَ لَمْ يَقُلْ لَهُمَا لَا تَأْكُلَا مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَ لَا مِمَّا كَانَ مِنْ جِنْسِهَا فَلَمْ يَقْرَبَا تِلْكَ الشَّجَرَةَ وَ إِنَّمَا أَكَلَا مِنْ غَيْرِهَا لَمَّا أَنْ وَسْوَسَ الشَّيْطَانُ إِلَيْهِمَا


وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ

وَ إِنَّمَا نَهَاكُمَا أَنْ تَقْرَبَا غَيْرَهَا وَ لَمْ يَنْهَكُمَا عَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا-


إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏

وَ لَمْ يَكُنْ آدَمُ وَ حَوَّاءُ شَاهَدَا قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ يَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِباً- فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ

فَأَكَلَا مِنْهَا ثِقَةً بِيَمِينِهِ بِاللَّهِ وَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ آدَمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِذَنْبٍ كَبِيرٍ اسْتَحَقَّ بِهِ دُخُولَ النَّارِ وَ إِنَّمَا كَانَ مِنَ الصَّغَائِرِ الْمَوْهُوبَةِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِمْ‏ فَلَمَّا اجْتَبَاهُ اللَّهُ وَ جَعَلَهُ نَبِيّاً كَانَ مَعْصُوماً لَا يُذْنِبُ صَغِيرَةً وَ لَا كَبِيرَةً قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‏ وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏ ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى‏. 


و هنا بعد الرواية لابد من التأمل في بعض النقاط:

النقطة الأولى: الإمام الرضا (ع) يوضح أن الله تعالى قال: (ولا تقربا هذه الشجرة)
ولم يقل (ولا تأكلا من هذه الشجرة)
فالنهي كان عن الاقتراب من شجرةٍ معينة، لا عن الأكل من جنسها كله.

فآدم لم يأكل من نفس الشجرة المنهي عنها، بل من شجرة أخرى من جنسها (أي من نفس النوع).وهنا وقع في التباس التأويل، وليس في العصيان المتعمد، ولذلك كان فعله تركًا للأولى لا معصية كبيرة.

النقطة الثانية: آدم لم يعرف الكذب من قبل، ولم يظن أن أحدًا يمكن أن يحلف بالله كذبًا،

ولذلك صدّق إبليس حين أقسم بالله لهما.

الإمام الرضا (ع) يشرح أن هذا العصيان كان قبل النبوة، أي قبل أن يُجتبى آدم ويُجعل نبيًا. ففي تلك المرحلة لم يكن التكليف بعدُ تكليف نبيٍّ معصوم، بل تكليف إنساني ابتدائيٌّ يُراد به التمرين والتمحيص.
ولذلك قال الإمام (ع):وكان ذلك من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم.أي أن هذا الفعل لم يكن ذنبًا كبيرًا يستوجب النار، بل هفوة تربوية في طور التعليم الإلهي.

قصة آدم عليه السلام من القصص العجيبة التي فيها الكثير من الحكم و التعاليم المخفية و لهذا تكررت كثيراً في القرآن الكريم لينتبه و يفكر الإنسان فيها.

هدى محمد كاظم الخاقاني
تدقيق و تعديل الأستاذ الشيخ محمدكاظم الخاقاني


هل يختلف علم الله في القرآن؟

 هل يختلف علم الله في القرآن؟

قد نقرأ في القرآن:

"لِيَعْلَمَ اللَّهُ" أو "فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ"

وأحيانًا: "لِيُمَحِّصَ" أو "لِيَبْتَلِيَ"

وأيضًا: "عَلِم" بالماضي و "يعلم" بالمضارع

فما سر هذا التنوع؟ 🤔


عَلِمَ (فعل ماضٍ):

-ورد في القرآن الكريم في الآيات التالية : ... لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ ... ﴿١٨٧ البقرة﴾

-و أيضا ورد في قوله تعالى : وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ ... ﴿٢٣٥ البقرة﴾

-وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٢٣ الأنفال﴾

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ... مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ... ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ ... ﴿20 المزمل﴾

كلمة  "عَلِمَ" تدل على أن علمه تعالى بذلك الشيء متحقق أزلاً وأبداً، لكن استعمال الماضي يشير إلى أن الأمر قد وقع وانكشف لعباده أو تحقق على أرض الواقع.

يَعلم (فعل مضارع): يدل على الاستمرار والتجدد. فإذا أُسنِد إلى الله فالمعنى: أن علمه دائم لا ينقطع، يشمل الماضي والحاضر والمستقبل.

إذن "عَلِمَ" لا يعني أن علمه مؤقت أو ناقص، بل يُستعمل في القرآن للدلالة على تحقق أمرٍ وانكشافه، بينما "يَعلم" للتعبير عن شمولية واستمرار العلم.

العلامة الطبرسي (مجمع البيان): الماضي "عَلِمَ" يُستعمل لإفادة أن الشيء قد استقر في علم الله ووقع في قضائه، أما المضارع "يَعلم" فيفيد دوام العلم وحضوره في كل آن.

العلامة الطباطبائي (الميزان): لا فرق في حقيقة علم الله، فالفرق في الاستعمال القرآني فقط؛ الماضي لإفادة تحقق المعلوم في الخارج أو وقوعه، والمضارع لإفادة الاستمرار والدوام.
إذاً بشكل موجز:

  • "عَلِمَ": يدل على أن علم الله بالأمر قد تقرر وانكشف، وهو أزلي لا يزول.

  • "يَعلم": يدل على أن علم الله شامل ومستمر لكل ما يتجدد ويحدث.

علم الله واحد، كامل لا بداية له ولا نهاية، لكن القرآن ينوّع الأسلوب بين الماضي والمضارع بحسب السياق.

( ليعلمن الله)

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣ العنكبوت﴾

وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴿١١ العنكبوت﴾

للإشارة إلى أن العلم قد يكون قديماً أزلياً و قد يتعلق بالحقائق حينما تُصبح أعياناً خارجية و هو المعبر عنه بالعلم الفعلي في مقابل الأزلي الذاتي.

هنا تأكيدية ليوصل الله لهم الفكرة هذه أن الله عالم  ببواطن الناس كما هو عالم بظواهرها ففي بعض الديانات كاليهودية يعتقدون أن الله لا يعلم الكثير من الأمور.

معنى (ليعلم الله /

كما تعلمون العلم الإلهي أزلي،  لا يطرأ عليه جهل ولا زيادة.
لكن التعبير بـ "ليعلم" في القرآن لا يعني حصول العلم بعد جهل، بل هو علم ظهورٍ وتجلٍّ في الواقع، أي أن ما كان في علم الله الغيبي يَظهر للخلق ويتحقق خارجًا فيشهدونه لأسباب تتعلق بحكمة الله.
لذا يفسّر المفسرون هذا بقولهم: "ليعلم الله" أي: ليُظهر علمه للناس بالفعل، أو "ليُميز المؤمن من المنافق".
وصيغة "ليعلمنّ" أبلغ وأقوى في توكيد ذلك التمييز والامتحان.

٢. معنى (ليمحص فهي تعني ليبتلي / ليكشف)

قد وردت هذه الكلمة مرتين في القرآن:

 وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴿١٤١ آل عمران﴾

... ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ... ﴿١٥٤ آل عمران﴾

هذه الألفاظ تركز على الحكمة العملية من الامتحان:

التمحيص: تنقية القلوب وتمييز الصادقين من غيرهم. احياناً تأتي بمعنى الكشف للإنسان نفسه ليعرف نفسه اكثر.ففي الإبتلاء إظهار ما في النفوس , أو لترقية الشخص ليعرف مدى قدراته النفسية كالصبر و تحمل المشاق و سعة رفعته النفسية و قوة الإرادة و غيره. فهي لا تتحدث عن "العلم" من جهة الله، بل عن أثر ذلك العلم في واقع الناس: إصلاح، تربية، أو تنقية.

بقلم هدى شبيري الخاقاني

كيف يجازي الله من مات صغيراً او دون سن التكليف؟

  قبل الخوض في الجواب، من المهم تأكيد حقيقة عقدية راسخة، وهي أن الله سبحانه وتعالى هو الحَكَم العَدْل، الذي لا يظلم مثقال ذرة. كل أفعاله مبن...

اخر المشاركات